Call us +603-2083 0202 | [email protected]
[wpml_language_selector_widget]

حرية الحركة للمرأة المسلمة بين المجتمع والدين

نشأت في أسرة متشددة اجتماعيًا، وكانت حياتي، التي تشبه حياة الكثير من النساء في العالم العربي، صعبة فيما يتعلق بالخروج من المنزل. لم أكن أدرك حينها أن كل ما يحدث مرتبط بنوعنا الاجتماعي، وأن هذا التشدد يحدث لأننا فتيات ونساء وأنه ليس أمرًا فرديًا أبدًا. فكانت حياتي مقتصرة على الخروج إلى الدراسة ولاحقًا بعض أمور العمل، وبعد فترة طويلة من المحاولات استطعت أن أسافر عدة مرات واستقل في العاصمة 

تبعد محافظتي 7 ساعات عن القاهرة، وهذا الإجهاد في السفر بجانب التكلفة المادية، إضافة إلى العادات والتقاليد، تجعل سفر النساء في مدينتي بمفردهن أمرًا نادرًا. فعندما قررت السفر لأول مرة، لم يوافق أخي على سفري وعاندني بأشكال شتى، ولم يعرف أقاربي بأمر سفري إلا لاحقًا، مع استنكار ورفض. شعرت أن العالم كله ضدي، لم كل هذا وأنا لم أفعل شيئًا خاطئًا؟ فتاة مسلمة محجبة تسافر بمفردها في طريق آمن، ما الضير في ذلك؟ لا السفر ضد الدين أو حتى فعل مشين! كنت أرى استنكارًا خفيًا أثناء ركوب الأتوبيس الذي أسافر به، فحتى الآن، لا وجود تقريبًا لفتيات يسافرن بمفردهن، سواي، وأشعر نوعًا ما بالوحشة والارتباك لوجود عدد كبير من الرجال في أتوبيس

.منع النساء من الحركة والسفر هو بمثابة حرمانهن من الحياة

يرفض المجتمع سفر النساء بمفردهن  لأسباب كثيرة تراكمت على مر الزمان حتى جعلت سفر النساء أمرًا مستنكرًا، وأكد على ذلك خطابات الشيوخ، بالإضافة للعادات والتقاليد. فإن رغبنا تفنيد الأمر دينيًا والبحث في أسبابه سنجد أنه لا يوجد نص قرآني واضح يحرم سفر النساء. الحديث عن التحريم، ينبغي أن يكون أمرًا واضحًا لا شك فيه، وقد أوضح ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام أن “الحلال بيّن والحرام بيّن”، لذلك فإن حرمانية سفر المرأة بمفردها ليست بهذا الوضوح القاطع الذي يبرر تحريمه، كما يحرم القتل والسرقة مثلًا. بما أن القرآن لا يحتوي على نص كهذا، يمكننا النظر إلى السُنة و بعض الأحاديث التي يتبعها الكثيرون بهدف تحريم سفر النساء بمفردهن، ولكن قبل كل هذا يجب أن نطرح سؤال أولًا، وهو هل سفر الرجل حلال من الأساس؟ 

الإجابة غير المتوقعة والتي لا يركز عليها كثيرين هي حسب ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد نهى عن سفر الناس عمومًا، رجالًا ونساءًا: “لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده.” وما رواه مالك في الموطأ وأحمد في المسند وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب”، وهذا يعني أن سفر المرء بمفرده أو مع شخص آخر، عليه لغط، ويرجع ذلك إلى أن السفر قديمًا لم يكن آمنًا وكان من الأفضل رفقة الجماعة وليس سفر شخص بمفرده، فالحديث هنا ليس حصرًا على النساء 

أما فيما يتعلق بسفر النساء فيقول الحديث: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم” رواه أبو هريرة. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم” فقال رجل للنبي في نفس مجلس الحديث: “يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا” فقال: “انطلق فحج مع امرأتك.” هذه هي الأحاديث التي يستشهد بها المتشددين/ات دينيًا في منع النساء من السفر وتحريمه، ولكنهم ينسون السياق العام للأحاديث وأسباب المنع والتحريم. فكما رأينا، تحريم السفر مرتبط بالأمان والنظام العام للحياة قديمًا التي لا تشبه الحياة حاليًا. لقد تم تجاوز وتناسي الحديث المتعلق بالسفر بشكل عام وتعايش الجميع مع تطور المجتمع وأدركوا أسباب المنع وتجاوزوها، لكن من الشائع جدًا أن نستمع إلى تحريم سفر النساء ومنعهن دون البحث عن سياق الحديث أو أسباب التحريم، برغم من أننا شهدنا تطور وتغيير منذ قديم الأزل، فروى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذِن لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالحج دون محرم، وأرسل معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف اللذان لم يكونا من محارم زوجات النبي بل تم إرسالهم معهن للحماية فقط

إن بحثنا الآن على اليوتيوب سنجد الكثير من المقاطع التي تتحدث وتدافع عن  حرمانية سفر النساء وتحاول طوال الوقت أن تغلق الطريق على النساء وعلى مساعيهن في تحسين أمور دنياهن، حتى وإن كن يسافرن لطاعة مثل العمل أو الدراسة أو كانت في إطار ديني. لكن وبجانب الحديث الديني الذي يعد مكونًا مهمًا للثقافة العربية، من المهم الحديث عن الرفض المجتمعي والسياق الثقافي لرفض سفر النساء وذكورية المجتمعات العربية بما فيها رجال الدين. فعلى مدار السنين لم تكن هناك مفسرات للقرآن أو نساء دين يحملن تأويلات أو تفسيرات ذات محمل مختلف. أضيف على ذلك أننا نرى اجتهادات عديدة لرجال الدين في أمور الحياة الحديثة، فيناقشون فوائد البنوك على سبيل المثال، ونرى أكثر من رأي وفقه، ويقيسون على أشياء قديمة أمورًا جدت، لكن عندما يتعلق أي شيء بالمرأة، نرى النصوص جامدة ثابتة مثلما نزلت في السياق الصحراوي الذي لا يناسب الحياة الآن، فلا يرغب أحد أن يطورها أو يقدم لها تأويلًا مختلفًا

أضيف على ذلك أيضًا خطب رجال الدين التي طالما انشغلت بقضايا النساء دون غيرها، فدائمًا ما نجد الانشغال بما ترتدي النساء، ولا نجد الحديث على أمور مماثلة للرجال، مثل معاملة الزوجة بالحسنى أو حتى حكم حلق اللحية أو ضرورة وجودها. فلم أجد رجل دين مثلًا يتحدث وينهي عن تبول الرجال في الشارع بنفس ضرورة وإلحاح حديثه عن نمص حواجب النساء، في سياق تعاني فيه النساء بالفعل من التعنيف والسيطرة والأذى، وتتراكم المشاكل الملحة التي يجب الحديث عنها، هذا عوضًا عن شكاوى النساء لرجال الدين، فنقارن بين رد رجل دين لرجل يرغب في أن يتزوج على امرأته، فنراه يسهل ذلك ويحلل الأمر، لكن إن خان الزوج زوجته فنجد الشيخ ينصح المرأة بالصبر والاحتساب وهذه أمور نشاهدها باستمرار دون أن يستنكرها أحد

حرية الحركة هي حق أصيل من حقوق الإنسان المشروعة

حرية الحركة هي حق أصيل من حقوق الإنسان المشروعة. للنساء الحق في رؤية الحياة من منظور مختلف، واختبار تجارب مختلفة والسعي إلى فرص أفضل، تمامًا مثل الرجل، ذلك بالإضافة إلى أن تقييد حركة النساء في الغالب يرتبط بالحرمان من حقوق أخرى، وهو ما نراه في الكثير من القوانين المجحفة للنساء، فهناك دول تقيد كل ما يتعلق بالنساء وتربطه بوجود رجل، مثلًا يمكن أن يبلغ الرجل عن تغيب ابنته أو زوجته أو أخته في دول مثل الأردن والكويت والسعودية وقطر وعلى أساس هذا البلاغ يتم اعتقال الفتيات وإعادتهن قسرًا إلى المنزل. وفي دول مثل اليمن وبعض المناطق في سوريا تُمنع النساء من السفر دون محرم، وفي مصر تمنع  النساء من الإقامة في بعض الفنادق بمفردهن

بالرغم من هذا الواقع الحزين، نجد اجتهادات وأصوات نسائية مختلفة تطرح تفسيرات وتأويلات للدين بشكل أكثر تماشيًا مع الواقع الذي نعيشه، كما نجد نماذج مختلفة لفتيات مسلمات عربيات يسافرن بمفردهن ويشجعن الفتيات على السفر، ويكسرن الصور النمطية، كما نشهد الآن تغييرات مختلفة في السعودية مع إمكانية أداء النساء للعمرة دون اشتراط وجود محرم. منع النساء من الحركة والسفر هو بمثابة حرمانهن من الحياة، وهنا لا أتحدث عن أمر ترفيهي (وإن كان من حق النساء السفر للترفيه). من خلال السفر، يمكن للنساء استكشاف فرص حياة أفضل من ناحية الدراسة والعمل، خاصة للفتيات اللاتي تعشن في محافظات نائية أو في دول نامية يكون فيها فرص التعليم والعمل ضعيفة، وبالتالي فحرمانهن من السفر يعني حرمانهن من البحث عن فرصة حياة أفضل. لا يزال أمامنا الكثير للوصول إلى حرية حركة النساء وإمكانيتهن من التحرك كالرجال، لكن على الأقل يمكننا أن ندعم من يفعلن ذلك، وننشر الفتاوى والتأويلات التي تبيح سفر النساء بل ونشجع عليها قدر الإمكان، ولا نقف في وجه كل امرأة تحاول أن تسافر لا سيما للعمل أو الدراسة فهي بمثابة العبادات والطاعة لله أيضًا 

وفاء خيري، صحفية مصرية مستقلة مهتمة بالصحافة النسوية