Call us +603-2083 0202 | [email protected]
[wpml_language_selector_widget]

 تحكيم القرآن في العلاقات الزوجية

 عن ندوة العدل والإحسان في الزواج

منذ ما يقرب من ثمان سنوات، أصدرت حركة مساواة كتاب “القوامة في التراث الإسلامي: قراءة بديلة” لبحث مفهومين أساسيين يقوم عليهما قوانين الأسرة المسلمة المعاصرة في العديد من البلاد ذات الأغلبية المسلمة، وهما: القوامة والولاية. اجتمع في شهر يونيو من العام الماضي باحثي/ات حركة مساواة من جديد، في القاهرة، لتقديم كتاب “العدل والإحسان في الزواج: نحو قيم أخلاقية وقوانين مساواتية“. يدعونا الكتاب إلى البحث عن السبب وراء تحول الزواج إلى صورته الحالية، والتي تجسد مادية شديدة التجرد من قيم التشاركية، مما جعل من بيت الزوجية أشبه بساحة صراع بين من له من حقوق ومن عليه من واجبات

غياب السياق التنزيلي في فهم القرآن

في دليل القارئ/ة الذي وضعه باحثي/ات الكتاب لمساعدة غير المتخصصين/ات على التفكر في موضوعاته، وقفت مطولاً أمام أول سؤال يدعوني للتأمل

فكر(ي) في الزواج، زيجة والديك أو أحد الأقارب أو الأصدقاء، أو ربما الزواج المثالي. إلى أي مدى يتوافق ذلك مع الثلاث دوائر المتداخلة والمباديء المتضمنة فيهم: المساواة في القيمة المطلقة للزوجين، والمسؤولية المشتركة في الالتزام بالتقوى، والنظر للزواج كميثاق غليظ من الالتزام والرعاية المتبادلة، وجعل المودة والرحمة والسكن الدعائم الأساسية للعلاقة؟

كيف هو الزواج في عائلتي؟ يمكن لنساء عائلتي وتجاربهن في الزواج أن تبطل القاعدة الفقهية المعروفة “الطاعة مقابل الإنفاق”؛ إذ يتولى جميع نساء عائلتي بلا استثناء المهمة بالكامل. أعي ذلك الفارق منذ صغري، فأحاول أن أشارك رأيي مع أمي وما أراه من ظلم في هذه الزيجات، فتخبرني أن الإنفاق لا يعنيها طالما أنه يوجد رجل بالبيت. ولكن إذا كان الأمر لا يعنيها، فلماذا يعبئ بيتنا بالمشاحنات والخلافات يوميًا بسبب هذا الأمر؟

كانت قضية إعادة فهم المنظومة الأخلاقية في القرآن هي موضوع الجلسة الأولى من الندوة، والتي أدارتها د. أماني صالح، وشاركت فيها د. أميمة أبو بكر، ود. ملكي الشرماني، و د. نور رفيعة، و د. أميرة أبو طالب. خلال هذه الجلسة، تحدثت المشاركات عن أهمية النظرة الشمولية والتعامل المباشر مع القرآن كمنهجية للتأمل في الإطار الأخلاقي، ولتطبيق مبادئ الإحسان في الزواج، وفهم تجارب النساء الاستثنائية، مثل الحمل والإرضاع والحيض 

في عرضها، قدمت د. نور رفيعة محاولة سعى إلى تحقيقها عالمات وعلماء من اندونيسيا لمراجعة أوضاع النساء داخل السياق الديني الإسلامي. فكرة “علماء النساء” هي محاولة لجمع علماء المسلمين من الرجال والنساء المؤمنين/ات بقضية إنصاف المرأة تحت راية واحدة، وهي محاولة لإيجاد بديل للتعبير الإشكالي الذي نضطر التعامل معه وهو “النسوية الإسلامية”، لأن استخدام مصطلح “النسوية” يستورد معه الإشكاليات المرتبطة به في السياق الغربي، فيجلب الشك عند النساء اللاتي يعرفن أنفسهن به، حتى وإن ربطوه بالإسلام

 الزواج ودروس من السنة النبویة

 في عائلتي، لاحظت فشل زيجات الفتيات المتزوجات حديثًا واحدة تلو الأخرى وانتهوا جميعًا بالطلاق. هن يرين أن ما الداعي لوجود الزوج وهن المعيلات للأسرة، ولا يجدن في هذه المسؤولية من يشاركهن التضحية من أجل استمرار الزواج والخوف على مصلحة الأبناء ورعايتهم. حين أفكر في الأمر، أقارن وضع زواجهن بظروف زواج النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسيدة خديجة (رضي الله عنها) وكيف وقفت في صفه ودعمته بالمال والأمان معًا، وتولى هو إدارة عملها فيما بعد وكان خير رفيق لها حتى آخر يوم في زواجهما. فلمَ لم تصمد زيجات أقربائي؟

في الجلسة الثانية من الندوة، والتي ترأستها د. فاطمة حافظ، دار النقاش بين د. ياسمين أمين ود. فقيه الدين عبد القادر حول الرجوع إلى دروس في الحديث والسنة النبوية يمكنها أن تساعدنا على تحقيق العدل والمساواة في الأسرة المسلمة. تحدثت د. ياسمين أمين عن الحديث الشريف “إن لأهلك عليك حقًا” وعن تحويل الزواج لصفقة تجارية في الأحكام الفقهية. ثم تطرقت إلى إشكاليات الرجوع للحديث والسنة النبوية في تأطير العلاقة الزوجية في الإسلام وعن نفور النسويات من الدخول في هذا الجدال لما يحكم طبيعة تراث الحديث من تاريخ سياسي، وأكدت على أن: «احتواء الحديث على نواة الحقيقة التي يجب الرجوع إليها واستكشافها. بينما ما اتفق عليه المحدثون يظهر لنا ما يمكن أن نعتبره ذاكرة المسلمين الأوائل ومصالحهم الأيديولوجية كما أرادوا أن يحفظوها، كما يظهر التحيزات الذكورية والأبوية لأجيال عديدة

إشكالية الجمود الفقهي، هل من بدائل؟

في الجلسة الأخيرة من الندوة، والتي أدارها د. محمد سراج وتحدثت فيها د. نيفين رضا، ود. هدى السعدي، ود. زهیة جویرو، قدمت الباحثات منهجيات وحلول بديلة للتعامل مع الفقه وأصوله بهدف تحقيق الإصلاح. على سبيل المثال، شاركت د. هدى السعدي نماذج تاريخية من العصور الوسيطة في مصر الإسلامية  لحالات لجأت فيها النساء إلى إقرار شروط واجبة في عقد الزواج، مما يدل على دور الاجتهاد للوصول لأحكام فقهية أكثر ملائمة للواقع المعيش. كما اقترحت د. زهية منهجيات للإصلاح الموضوعي، والإجرائي، والإداري، مثلما حدث في السياق التونسي

 في سياق التعامل مع أصول الفقه، ناقشت د. نيفين رضا تعارض المعنى اللفظي لمصطلح “الإجماع” الذي مارسه الفقهاء، مع السياقات القرآنية التي ورد فيها المصطلح، وكيف يمكننا التطرق لمثل هذه المشكلات من خلال منهج روحاني يأخذ القصص القرآني في الاعتبار عند التفسير والتأويل، واقترحت ممارسة “الشورى” كبديل للإجماع الفقهي الذي يُعد من الإشكاليات التي تضفي على الفقه حالة من الجمود، فقالت: «يمكن تطبيق الشورى من خلال ظاهرة الاجتهاد الجماعي، والمجالس الفقهية، على الرغم من سيطرة الرجال عليها

بين النص والواقع

أكثر ما لفت نظري يوم الندوة والمناقشة التي تلتها في يوم توقيع الكتاب في دار الكتب خان بالقاهرة، هو الحضور الملحوظ للمحامين والمحاميات وأسئلتهم/ن التي تؤكد على وجود أزمة حقيقية في قوانين الأسرة المصرية. التخبط مع الأدوار الجندرية الكلاسيكية المتعلقة بقضايا الطاعة، والإنفاق، والمعاشرة الزوجية، والوالدية أظهر بوضوح اختلاف الأجيال

إذا رجعنا إلى منتصف القرن العشرين وحتى نهايته، أي الفترة الأولى من زواج آبائنا وأمهاتنا، سنجد علاقات القوى داخل الزواج محكومة بما أسمته الأكاديمية التركية، دنيز كانديوتي، بـ “التفاوض مع السلطة الأبوية”، وهو ما يتوافق مع قيم الدولة القومية واستخدامها للنساء كأدوات لتشكيل المجتمع. إن انتهاج الدولة لمسار متكامل يؤطر مشاركة المرأة في الحياة اليومية، بدءًا من توفير الوظيفة الحكومية التي تضمن حق الحصول على أجازة الوضع واصطحاب رضيعها للعمل، وتهيئة المناخ التربوي من خلال الصحف والجرائد والمجلات وكتب التنمية الذاتية الموجهة خصيصًا للمرأة العاملة، شجّع على تدعيم صورة الزوجة والأم المثالية التي تستطيع تحمل مهمة التنظيم بين حياتها الأسرية وطاعة زوجها وتلبية رغباته، وبين المشاركة في نهضة الدولة

الخاتمة

عندما قررت دراسة فقه النساء، سمعت من أحد الشيوخ الذين كنت أحضر لهم عن بُعد، وصفه للنكاح بأنه “صفقة تجارية، بينما هو في الواقع غير ذلك، وأن غلبة الطابع المادي عليه ليس إلا لغرض الدراسة”. ولكن عندما ننظر إلى قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الفقه، والتي تنظم حياتنا، كيف لي كامرأة شابة أن أتحرى العدل والإحسان في الزواج وسط العتمة التي تدفعني إليها كل هذه المعاملات؟ هل للمُشرع أن يضمن لي أيضًا حقي من الزوج في التعلّم والعمل والرعاية عند المرض مقابل الطاعة والخدمة والمعاشرة الزوجية؟ حقي في أكون إنسانة أولاً، وزوجة ثانيًا. زوجة قد تنهكها أعباء الأسرة حد الإعياء، وقد تجد في الأمومة لذة  تسعد بها حينًا، ومشقة قد لا تتحملها أحيانًا أخرى

في هذا الكتاب، رأيت عالمات يسعين بكل جهد للتأكيد على أنه لا سبيل لتحقيق أي إصلاح في حياة الأسرة المسلمة دون الرجوع إلى قيم العدل والمساواة المطلقة التي أكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، ولكنها أُسقطت ضمن محاولات الفقهاء في خلق الإطار التشريعي للأمة وللأسرة المسلمة بسبب اعتمادهم على التفسيرات الجزئية لآيات الأحكام. كيف تتغير حياتنا لو غيرنا وضع الزواج الحالي من هوية تجارية وتراتبية بين الرجل والمرأة داخل الأسرة، وعدنا لأصل الزواج وهو المودة والرحمة؟

ياسمين طارق، درست الأدب العربي والدراسات الإسلامية في جامعة عين شمس بالقاهرة، باحثة في الدراسات الجندرية ومنسقة مشاريع في مركز سرد للتاريخ والأبحاث الاجتماعية. تهتم بقضايا البناء الاجتماعي للأمومة داخل سياق الدولة القومية والتربية الجنسية في المجتمعات الإسلامية وتعتمد في بحثها لهذه الموضوعات على الجمع بين الاثنوغرافيا الأدبية والتاريخ الشفهي والأرشيف الشخصي والعائلي لدعم سرديات النساء المهمشات