حملة #قانون_أسرة_عادل هي حملة أطلقتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية ومؤسسة المرأة والذاكرة في مارس ٢٠٢٢م للمطالبة بتعديل قوانين الأحوال الشخصية لتصبح أكثر عدلًا وإنصافًا لجميع أفراد الأسرة. بدأت رحلة الحملة في شهر فبراير من عام ٢٠٢١م حين نشرت العديد من الصحف المصرية نسخة مسربة من مشروع قانون مقدم من الحكومة حول الأحوال الشخصية. سببت تلك النسخة في غضب على مواقع التواصل الاجتماعية حيث عبرت النساء عن استياءهن من الاقتراحات المقدمة، وبدأت في تلك اللحظة حملة #الولاية_حقي من مؤسسة المرأة والذاكرة والتي أبرزت المشاكل المتعددة في القانون المصري الحالي للأحوال الشخصية، ومهدت الطريق لحملة #قانون_أسرة_عادل بالمشاركة بين المؤسستين والتي تطالب بشكل أساسي إلى تعديل القانون ليستند إلى مباديء الدستور ويحقق العدل والمساواة لجميع أفراد الأسرة.
من خلال الحكي ومشاركة قصص النساء الحقيقية، أبرزت الحملة المشكلات التي تواجهها النساء على الأخص بمصر. فقانون الأحوال الشخصية الحالي لا يساوي بين المرأة والرجل في العديد من الأمور الحياتية كاصطحاب الأبناء للخارج، تسجيل الأبناء أو حتى فتح حسابات بنكية لهم، مما يتعارض مع الدستور الذي ينص على المساواة بين الذكور والإناث. نتحدث في هذه المقابلة مع ندى نشأت، مسؤولة الحشد والتأييد بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، حول تاريخ الحملة وأهدافها الرئيسية، كما نتحدث عن الحكي كوسيلة وأداة للتغيير، كما تشاركنا ندى نجاحات الحملة وما ترجو تحقيقه في المستقبل القريب.
بدأت حملة #قانون_أسرة_عادل منذ فترة طويلة، فهي مرتبطة بعملنا فيما يتعلق بالدعوة لتعديل قوانين الأحوال الشخصية لأن القوانين الحالية بها مشاكل عدة وبها تمييز شديد ضد النساء. أدت تلك الجهود لحملة أخرى وهي #الولاية_حقي والتي دعت إليها مؤسسة المرأة والذاكرة وبالتالي قررنا دمج جهودنا سويًا في حملة #قانون_أسرة_عادل لدعم تغيير القوانين عن طريق إلقاء الضوء بشكل أساسي على القصص الحياتية للنساء، وبالتالي فهدف الحملة الأساسي هو دعم مقترح قانون الأحوال الشخصية الذي كنا قد قدمناه، بالإضافة إلى توضيح الاحتياج لتحقيق هذا التغيير من الأساس من خلال التركيز على الواقع المعاش الذي يوضح الصعوبات والمشاكل الموجودة حاليًا في القانون.
هدفنا الأساسي هو قانون أسرة مبني على العدالة والمساواة، ومبني على القصص الحياتية، وعلى العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة.
نعمل على تلك القضايا منذ بدايتنا ولكن بأشكال وأساليب مختلفة، فبدأت المؤسسة عام ١٩٩٥م وكنا نعمل وقتها على قضايا الأسرة بشكل خدمي في الأساس، ومع الوقت، بدأت فكرة العمل على دعم تغيير القوانين والقيام بكتابة مسودة لقانون أكثر عدالة، وبدأنا بالفعل في العمل على قضايا الأحوال الشخصية والقوانين المتعلقة بها منذ عام ٢٠٠٥م، مع التركيز بشكل استراتيجي على تلك القضايا منذ عام ٢٠١٠م، وذلك من خلال العمل بشكل أكبر على الحملات المختلفة الهادفة لتعديل القانون من خلال رفع الوعي المجتمعي.
قانون الأحوال الشخصية الموجود حاليًا والخاص بقوانين الأسر المسلمة بدأ تفعيله منذ ١٩٢٠م مما يعني أننا نستخدم نفس القانون منذ أكثر من ١٠٢ سنة. لا زلنا نتحدث عن الطلاق الشفهي، عن عدم وجود أي ضمانات مادية للمرأة في حال طلاقها بعد ١٥ أو ٢٠ سنة من الجواز، وخاصة النساء اللائي لم يعد أطفالهن في سن الحضانة، أو لا يوجد عندهن أطفال. لازلنا نتحدث أيضًا عن عدم وجود أي حماية قانونية لتلك الفئة من النساء اللائي قد يجدن أنفسهن في أي لحظة دون منزل.
نجد اليوم أن نسبة الطلاق مرتفعة جدًا في مجتمعنا، مع العلم بالطبع أن للطلاق أسباب اجتماعية عديدة ومنها أن النساء لم تعد تقبل بالعنف أو الأوضاع المسيئة والتي تميز ضدها اجتماعيًا وبالتالي لم تعد النساء مضطرة للقبول بهذه الأوضاع بشكل عام. ما أحاول توضيحه هو أن المشكلة القانونية الأساسية التي نواجهها في السياق المصري هو أن التحديات التي تواجه الأسر الآن تختلف بشكل كبير عما كانت عليه الأوضاع منذ ١٠٠ عام ولكن لازال يحكمنا نفس القانون.
في الحقيقة توجد العديد من الإشكاليات في الوضع القانوني الحالي، أبرزها في رأيي قضايا الطلاق الشفهي والذي يسمح للزوج بتوثيق الطلاق في حوالي شهر من وقوعه، مع غياب أية ضمانات مادية بأي شكل من الأشكال للمرأة في تلك الحالة. التعدد أيضًا مشكلة كبيرة حيث أنه مسموح دون قيود، فالشرط الوحيد هو إعلام الزوجة وهو شرط عادة ما لا يتحقق، فنجد أن العديد من موثقي عقود الزواج ما يتحايلوا على هذا الشرط.
لدينا أيضًا إشكاليات مماثلة تتعلق بعدم تنفيذ القانون، فنجد أن القانون الحالي يسمح للزوجة أن تزوج نفسها ولكن لا يقبل أغلبية موثقي الزواج هذا الشرط ويرفضوه على أرض الواقع، فمنهم من يزعم بحرمانيته ومنهم من يفضل استمرار الوضع كما هو عليه لأسباب اجتماعية وثقافية بالأصل ولا علاقة لها بالدين أو القانون. لدينا أيضًا مشكلة سن الزواج، فالقانون يقر سن الثمانية عشر كالسن الأدنى للزواج، ولكن يوجد اختلاط بين لفظي توثيق وتزويج، فالقانون الحالي يجرم فعل التوثيق، مما يصعب تجريم فعل التزويج نفسه ويسمح للعديد بتزويج أطفالهم/ن دون رادع، ولذلك نعمل على هذه القضية أيضًا ليصبح كلا من فعلي التوثيق والتزويج مجرمين في القانون.
تستمد الحملة قوتها من القصص الحقيقية التي تشاركها النساء معنا، ففي حملتي قانون أسرة عادل والولاية حقي، شاركتنا النساء قصصهن الشخصية والتي هي السبب الرئيسي وراء استمرارنا في الحملة. من أبرز القصص وأكثرهن تكررًا هي قصص مساعدة النساء لأزواجهن لبدء مشاريع مختلفة وتحقيق طموحاتهم المهنية ، وتخليهن عن عملهن من أجل القيام على مهام الأسرة وخدمة العائلة، ومع انتهاء سن الحضانة، يحدث الطلاق ولا تحصل النساء على أي أموال برغم تضحياتهن وعملهن المستمر داخل المنزل، فالقانون يدعم الرجل في تلك الحالات، ونجد العديد من النساء يتركن أعمالهن ليقوموا بدعم أزواجهن ليجدوا أنفسهن في النهاية دون أي دعم، وهي للأسف قصة متكررة للغاية. من القصص الأخرى التي نجد فيها معاناة الرجال أيضًا ،التي توضح أن تغيير القوانين مهم لكل أفراد الأسرة هي مشكلة رؤية الأطفال، فنجد رغبة العديد من الأزواج لرؤية أبنائهم/ن ولكن مع رفض الأم الحاضنة، يمنع الزوج من رؤية أطفاله.
بعض القصص التي تكررت كثيرًا أثناء الحملة تتعلق بالولاية على أجساد النساء، فعلى سبيل المثال، كانت إحدى النساء تحتاج عملية في الرحم ولم تستطع إتمام العملية دون موافقة الزوج، وإن لم يكن الزوج، فالأب أو الأخ. في النهاية، هذا جسدها هي! لماذا لا توجد لديها السلطة والولاية على جسدها وصحتها؟ في حين أن الرجل لو كان هو من سيقوم بعملية متعلقة بقدرته الإنجابية فلن يحتاج إمضاء زوجته أو موافقتها بأي شكل من الأشكال.
في رأيي من أبرز الصعوبات التي تواجه عملنا بشكل عام، والتي واجهت الحملة بشكل كبير، هي التشكيك في قصص النساء، هذه الظاهرة هي جزء من مواجهة الأفكار الذكورية التي تزعم بوجود حقوق كافية للنساء وترفض تصديق معاناتهم. هذا الخطاب الذكوري يجد الدعم في التفسيرات المغلوطة للدين وفي العادات الثقافية والمجتمعية والتي تنعكس أيضًا على الصعوبات التي تواجه محاولاتنا لتغيير القانون نفسه، فنجد نفس المشكلة، فالخطاب الذكوري يكرر نفسه على ألسنة بعض البرلمانيين والبرلمانيات على سبيل المثال، فالعديد منهم يرفض مقترحات العائد المشترك أو تقييد التعدد ويزعم أن تلك حقوق الرجل، ومع ذلك نجدهم في الوقت نفسه داعمين لمبادرات النفقة والمشاركة الزوجية، فلا توجد لديهم أي مشكلة في هذا الوجه من المشاركة الذي ينصف الرجل ولكن يعترضوا على المبادرات التي تنصف المرأة أيضًا، لذلك فالخطاب الذكوري في رأيي هو أصعب تحدي نواجهه في عملنا ككل.
نجاح الحملة يأتي من ضمها لنساء من مختلف الخلفيات، فالعديد من النساء اللائي شاركن في الحملة لا يأتوا من أي توجه معين، وبالتالي فصوت الحملة هو صوت النساء وقصصهن الحقيقية. نجحت الحملة أيضًا في سحب قانون مُقدم من مجلس الوزراء، والذي سُربت بعض بنوده في الصحافة وواجه غضب شديد من النساء واعتراض قوي مبني على قصصهن الحقيقية وواقعهن المعاش وتساؤلاتهن عن سبب اقتراح قانون يميز ضدهن بهذا الشكل.لحظة سحب ذلك القانون كانت أبرز نجاحات الحملة في رأيي.
في العموم لدينا خمس مطالب أساسية: ١) أن يكون الطلاق بيد المحكمة، ٢) لا تزويج لمن هو تحت السن القانوني وهو ١٨ عام، ٣) تقسيم العقد المشترك بين الزوجين والمتعلقة بالحقوق المالية، ٤) تقييد التعدد، ٥) ووجود حق الاصطحاب والاستضافة فيما يتعلق بحضانة الأطفال حيث أن الطرف غير الحاضن يظل من حقه استضافة الطفل بشكل مستمر ومنتظم.
ستظل حملتنا حتى نحقق قانون عادل يساوي بشكل حقيقي بين الرجل والمرأة، وجميع أفراد الأسرة. على القانون أن يراعي المصلحة الفضلى للطفل، ولكن ليس على حساب أجساد النساء، وسنردد دائمًا: هناك فرق بين مراعاة المصلحة الفضلى للطفل/ة وجعلها أولوية، وبين جعل تلك الأولوية تأتي على حساب النساء وعلى أجسادهن وحياتهن، علينا أن نجد توازن عادل، وسيأتي ذلك التوازن من تغيير الرؤية نفسها لقوانين الأحوال الشخصية، فعلينا أن نكون واعين بموازين القوى وعلاقاتها داخل الأسرة. إحنا مكملين!
نحتاج قصصكن! فتجارب النساء تدعم الحملة بشكل كبير، والتفاعل مع الحملة مهم جدًا سواء بالموافقة أو بالرفض. من المهم أن نتحدث عن نقاط الخلاف وعن مخاوف النساء من القانون نفسه أو من تعديلاته والمقترحات الموجودة، فالنقاش يثري الحوار ونحتاج آرائكن وقصصكن التي نستمد منها قوتنا والتي تلهمنا لنكمل العمل سويًا تجاه تحقيق مطالبنا بقانون أسرة عادل.
مؤسسة قضايا المرأة المصرية هي مؤسسة أهلية اُنشئت سنة ١٩٩٥م لتقديم الدعم والمساندة القانونية للمرأة المصرية. تسعى المؤسسة بشكل أساسي للمساهمة في ازدياد الوعي المجتمعي، كما تسعى لمساندة النساء بشكل خاص لتنمية الوعي القانوني لديهن ومساندتهن للحصول على حقوقهن القانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ولتغيير القوانين التي تميز ضدهن، وذلك من خلال تقديم الخدمات المباشرة، وإلقاء الضوء على القضايا التي تمثل تحديًا في السياق المجتمعي المصري، والعمل على مستوى السياسات العامة من خلال رفع الوعي وبناء القدرات للتأثير في عمليات صناعة القرار