Call us +603-2083 0202 | [email protected]
[wpml_language_selector_widget]

شباب/شابات من أجل المساواة: تأملات من الأردن 

القوامة، الولاية، الدرجة، كلمات نحفظها جيدًا، عادة ما تُستخدم كورقة ضغط جاهزة كلما بدأ الحديث عن حقوق المرأة المسلمة داخل منظومة الزواج؛ عادة ما يكون الجدال منتهيًا قبل بدايته: هذه مصطلحات من القرآن فمَن يعترض؟

الحقيقة أن الاعتراض ليس هو الهدف، ربما نحتاج لأن نفهم أولًا معنى هذه المصطلحات والسياق الذي جاءت فيه، ومن ثم نناقش معناها وتطبيقاتها لنصل سويًا إلى الإجابة. هذه بالضبط كانت تجربة شباب/شابات من الأردن، يشاركونا تجربتهم/ن.

بهدف رفع الوعي المجتمعي حول كيفية جعل الخطاب الديني أكثر اتساقا مع مبادئ حقوق الانسان وأكثر مقدرة على التفرقة بين مبادئ الدين الإسلامي وتفاسيره والعادات والتقاليد التي تحد من مشاركة المرأة وثبات دورها في الفضاء العام، جاء مشروع “شباب من أجل المساواة.” تنفذ اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة المشروع بدعم من الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي، وبالتعاون مع الشركاء المنفذين: مؤسسة رواد التنمية وحركة مساواة، بالإضافة إلي خبيرات عدة في البحث النسوي. من خلال المشروع، عملت جميع الأطراف على بناء القدرات المعرفية ل ٢٣ شاب/ة من أربع محافظات في الأردن: عجلون،عمان،الزرقاء،والطفيلة، بهدف تنمية مهاراتهم/ن و إلمامهم/ن المعرفي حول التقاطعات ما بين الجندر، التجربة المعاشة، المنظومات الحقوقية ومفاهيم الإسلام. كما تم تزويدهم/ن وإعطائهم/ن المعرفة والأدوات اللازمة ليصبحوا محفزين/ات للتغير من أجل دعم المساواة بين الجنسين والقيادات النسائية داخل مجتمعاتهم/ن.

 أسيل، بيان، سلمى (اسم مستعار)، حسام الدين، ونور الدين هم مجموعة من الشباب والشابات المؤسسين/ات لمبادرة “ت، تأويل” الهادفة إلى تغيير الفهم المغلوط للخطاب الديني المنتشر لدى أفراد المجتمع الأردني للقوامة والولاية والتي عادة ما تؤدي إلى تنميط دور المرأة وتؤثر سلبًا على حقها في الوصول والمشاركة المجتمعية والسياسية. تحدثنا معهم/ن حول الوضع بالأردن، خططهم/ن بعد التدريب، وما يسعون لتحقيقه بمجتمعاتهم/ن. 

السياق الأردني جزء من السياق الأكبر للمنطقة. عند النظر للإحصائيات، نجد تباينًا بين قدرات النساء والفرص المتاحة لديهن. فبالرغم من ارتفاع المستوى التعليمي للأردنيات، حيث تشير البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة أن نسبة الأمية بين النساء في الأردن لعام 2020 تشكل 7.5٪ ونسبة التعليم الجامعي لعام 2020 للإناث 55.6٪ في حين أنها تشكل 44.4٪ للذكور، لا ينعكس ذلك على واقع سوق العمل، حيث لا يتجاوز معدل النشاط الاقتصادي للمرأة الأردنية 14.2٪ مقارنة بـ 53.6٪ للذكور، فيما يبلغ معدل بطالة الإناث 30.8٪ مقارنة بـ21.2٪ للذكور. ويعدّ معدل النشاط الاقتصادي للمرأة الأردنية الأدنى في العالم، كما تحتل الأردن المرتبة 138 من 153 دولة في المؤشر العالمي في الفجوة بين الجنسين للعام 2020. 

عبرت أسيل في البداية عن التحديات الرئيسية التي تواجهها المرأة في السياق الأردني، موضحة أن المعاناة التي تواجهها الفتيات والنساء هي جزء لا يتجزأ من حقيقة أكبر وأكثر عمقًا وهي تقاطع الواقع المعيش مع الفهم المجتمعي للدين والقوانين. أوضحت أسيل نقطتها قائلة: “عندما ننظر لحالات عديدة، نرى معاناة المرأة في ازدياد، من تعنيف جسدي ونفسي عند الانفصال، وحتى القتل في بعض الحالات. لذلك، علينا دومًا النظر للقضية بشكل تقاطعي وبنظرة شمولية ومتكاملة. أعتقد أن مبادرتنا موجهة بالأساس للنساء، ونؤمن بأهمية استخدام لغة سهلة؛ لأن نشر الوعى هو أول خطوة تجاه أي تغيير حقيقي. إذا كان هدفنا هو إصلاح القوانين، فعلينا فهم وإصلاح المفاهيم أولًا حتى نتمكن من تطوير آليات تواكب تحديات عصرنا، لذلك نعمل الآن على ورقة مفاهيمية يمكننا تقديمها للمشاركين/ات لنشر المعرفة اللازمة.” 

هذه الأوضاع وخاصة في ظل جائحة كورونا قد جعلت من حياة النساء أكثر تعقيدًا، فنجد الفجوة تنطبق على العام والخاص من معاناة النساء في العنف الأسري/المنزلي، التضييق الاجتماعي والاقتصادي والإلكتروني، إلى ارتفاع معدلات حالات قتل النساء. وضع الفتيات والنساء بالأردن ليس وضعًا استثنائيًا بل هو وضع سائد بالمنطقة العربية التي عادة ما تستمد تشريعاتها من التفسير الفقهي للدين الإسلامي مما يطرح التساؤل التالي: لِمَ تستند العديد من قوانين الأسرة المعاصرة إلي فكرة أن الرجل هو العائل والحامي، وأن المرأة عليها الطاعة؟

هناك مفهومان شائعان وراء تلك الفكرة وهما مفهومي القوامة والولاية. مصطلح القوامة مشتق من كلمة “قوامون” من سورة النساء، ولكن كلمة قوامة لم ترد في القرآن الكريم أو السنة النبوية ومع ذلك، يستشهد العديد بتلك الآية لتأسيس فكرة تراتبية العلاقة بين الرجل والمرأة وسلطة الرجال بشكل عام على النساء. أما الولاية، فنجدها في سور مختلفة، كسورة التوبة والتي تنص على ولاية كلا من الرجل والمرأة على بعضهم البعض ودعمهم لبعضهم البعض في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الله ورسوله. في الحقيقة، لم يأت مفهومي القوامة أو الولاية من القرآن والسنة، بل هما مفهومان استخدمهما بعض المفسرين والفقهاء مبررًا لهيمنة الرجال ومعاملة النساء كقاصرات طوال حياتهن، مما حرم النساء ولا زال يحرمهن من العديد من الفرص. 

عبرت سلمى عن ذلك من خلال تساؤلات عدة: “لِمَ تعتمد قوانين الأسرة الحالية على مبدأ الطاعة، ولا تعتمد على المبادئ الإسلامية كالعدل والرعاية المتبادلة والمودة والرحمة؟ نحن نؤمن بضرورة العمل من خلال الحقائق على أرض الواقع لنغير القوانين لتتماشى مع حياة النساء الحقيقية.” فعند النظر في التراث الفقهي الإسلامي، نجده ثري، مرن، وقابل للتغيير. نعلم ذلك لما وفره لنا الفقهاء على مدار السنين من أدوات ومفاهيم للتغيير والإصلاح والتي يمكننا اليوم استخدامها من أجل بناء مجتمعات مسلمة تساوي بين الجنسين، منها التمييز بين العبادات والمعاملات بما يوفر لنا أرضية صلبة نتمكن من استخدامها للتغيير والإصلاح. تندرج قوانين الأسرة تحت تصنيف المعاملات، وبالتالي فهي أحكام اجتماعية مرتبطة بالزمان والسياق، يمكن تغييرها وفقًا لتغير واقع الزمان والمكان ومتطلبات العدالة المعاصرة. الفقه، مثله مثل أي اجتهاد آخر، فهو مبنى على اجتهادات وتفسيرات فردية للعلماء والفقهاء، ثري، مرن، ويسمح بالتطوير.

وبالرغم من ذلك، عادة ما يخلط العديد في الحياة اليومية بين مصطلحات الشريعة والفقه والقوانين. في الحقيقة، الشريعة هي مجموعة القيم والمبادئ الدينية التي أوحى بها الله تعالى إلى رسوله، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والتي ترشد المسلمين/ات في حياتهم/ن. أما الفقه، فهو التفسير البشري لمصدري التشريع الإسلامي: القرآن والسنة، ولذلك فهو مرتبط بالزمان والمكان، وبالتالي يمكننا النظر فيه والتفكر بهدف تحقيق المساواة والعدل. أما القوانين، ففي الحقيقة لا يوجد قانون أسرة واحد، بل توجد قوانين عدة تختلف باختلاف البلدان، والمجتمعات، والثقافات المتنوعة. جميع القوانين تزعم كونها مستمدة من الشريعة، ولكنها تأويلات وجهود بشرية وبالتالي يمكن النظر فيها وتغييرها بهدف تحقيق المساواة في المجتمع. 

عند سؤال حسام عن رؤيته لمستقبل المجتمع الأردني وسط تلك التحديات، أجاب: “قبل تجربتنا مع مساواة، كانت لدينا العديد من اللخبطة! أقصد بذلك تداخل المفاهيم المختلفة كالشريعة والفقه والقوانين. استمتعت كثيرًا بفهم تلك المفاهيم المختلفة واستطيع الآن النظر للفروق بينهم ورؤية كيفية تأثيرها على مجتمعاتنا العربية. لذلك أؤمن بأن المعرفة هي الأساس، كان التدريب حافزًا حقيقيًا لكسر الصمت ولتأسيس فكر جديد يتناسب مع متطلبات مجتمعاتنا الحالي، بمرجعية إسلامية. مبادرة “ت، تأويل” هي في الحقيقة امتدادًا لفكر مساواة!” أكمل نور الدين على نقطة حسام، متنبئًا ببعض التحديات: “بالطبع نتوقع الممانعة والرفض، ولذلك من المهم جدًا العمل من أرض صلبة قائمة على المعرفة والحجة القوية. نؤمن أن كل مجتمع عليه أن يقدم حلوله لنفسه وبأهمية بناء بيئة آمنة للتفكير والعمل، لن يكون التغيير سريعًا لكنه ممكنًا ونؤمن بأن البداية الآن!” شاركته بيان موضحة: “نؤمن أن على الجميع أن يكون جزء من التغيير وأن يكون صوتهم/ن مسموع. العديد من الأفراد بمجتمعاتنا رافضين/ات للأوضاع الحالية لكنهم/ن لا يؤمنون بقدرتهم/ن على التغيير لذلك ننصح جميع القراء والقارئات بالإيمان بأن لكل فعل وصوت تأثير. التغيير ممكنًا!”

يعتقد الكثيرون بمجتمعاتنا العربية أن النسويات أو المدافعين/ات عن حقوق المرأة يريدون نبذ الخطاب الديني أو الاحتكام إلى قوانين مدنية تتعارض مع الشريعة، ولكن ربما يحدث هذا اللبس لأن العديد يعتمد على أحكام مسبقة، فلا يعطوا أنفسهم/ن فرصة كافية لمعرفة مختلف الأطروحات النسوية والتي منها إيجاد حلول تقدمية من داخل المنظومة الإسلامية. نرى في تجربة مبادرة “ت، تأويل” بذرة بداية لنظرة مختلفة وناضجة لحقوق النساء في مجتمعاتنا البشرية.

تعتبر اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة آلية وطنية للنهوض بوضع المرأة في الأردن بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 21/11/3382 في عام 1992 وبرئاسة سمو الأميرة بسمة بنت طلال المعظمة وعضوية الوزراء المعنيين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وذلك من منطلق التزام الأردن بالنهوض بأوضاع المرأة وتعزيز مشاركتها في تحقيق التنمية المستدامة وتأكيداً على تنفيذه لتعهداته الوطنية والعربية والدولية. تبنت اللجنة هذه المبادرة بهدف ترسيخ انجازات ومكاسب الحركة النسوية على مر العقود، ولماذا ما زالت تطالب بالمساواة وعدم التمييز في التشريعات ما بين الجيل الشباب وجعله قادر على تبني خطاب يعتمد على الحجج والادلة والوقوف جنبا الى جنب في المطالبة بحقوق المرأة والاعتراف بانها مساهمة فعلية في تنمية المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

“روّاد التنمية” هي مؤسسة غير ربحية تعمل مع المجتمعات التي تسعى للتغلب على التهميش من خلال التعليم والبرامج الشبابية التطوعية وتنظيم العمل الأهلي مع القواعد الشعبية. يركز نهج عملهم على تمتين روح المبادرة وتيسير مراجعة وتأطير الأوليات الملحة لحل المشكلات المجتمعية بمشاركة أفراد المجتمع المحلي. نموذج روّاد يتضمن ثلاثة برامج رئيسة: تنمية الطفل، وتمكين الشباب، وتمكين المجتمع. للإطلاع على عملهم، يمكنكم/ن زيارة الموقع الإلكتروني التالي: https://ruwwad.ngo/ar 

مساواة هي حركة عالمية تسعى لتحقيق المساواة والعدالة داخل الأسرة المسلمة، نعمل في أربع مجالات رئيسية: المناصرة الدولية، بناء المعرفة، بناء القدرات، والتواصل المجتمعي. نعمل باستمرار على بناء القدرات والتواصل مع النشطاء/الناشطات ومنظمي/ات المجتمع المدني من السياقات المسلمة في جميع أنحاء العالم، ومن خلال هذه الجهود، نسعى لبناء ونشر ثقافة النقاش حول الإسلام ونقدم خطابًا بديلاً حول الإسلام، يُعلي من شأن مبادئ المساواة والعدل ويساعد على استمرار النقاش في المجتمعات والسياقات المسلمة حول السياسات العامة والقوانين وعلاقتهم بالدين الإسلامي وحقوق المرأة. تحت شعارات: المعرفة، الإلهام، الاقناع، والحشد، تصمم مساواة أربع جلسات تنظر في أسباب التمييز الجندري الحالي في ظل الواقع المعيش، التعريف بالدراسات النسوية الجديدة التي تتناول الإسلام بشكل مختلف وبناء المعرفة اللازمة لوضع نهاية لإساءة استخدام الإسلام في التمييز ضد المرأة. لمعرفة المزيد، نرجو التحقق من موقعنا الإلكتروني: https://www.musawah.org/ar/capacity-building/